بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهدا جبارا خلال السنة الماضية ليس من اجل كسب الحرب في العراق ولكن من أجل تغيير صورة المشهد العراقي بحيث يتم اخفاء أبعاد مأزقها الحقيقي هناك.
في نهاية المطاف نجحت الولايات المتحدة في ذلك، لكن نجاحها هو كنجاح الطبيب في اعطاء المريض شعورا كاذبا بالشفاء من مرض لا شفاء منه كالسرطان.
عنوان هذا النجاح هو الهدوء النسبي للحالة الأمنية، اضعاف المقاومة العراقية، اقامة تحالفات تصب في النهاية لمصلحة الاحتلال، لكن خلف هذا المشهد تكمن حقائق صلبة يصعب اخفاؤها طويلا.
اول تلك الحقائق أن الهدوء النسبي للحالة الأمنية واضعاف المقاومة العراقية يتم من خلال استمرار وجود عسكري امريكي واسع كان يفترض ان يتقلص كثيرا خلال العام الأول للاحتلال، مثل ذلك الوجود العسكري لا يمكن للولايات المتحدة الابقاء عليه، فكلفته الاقتصادية أعلى من ان تطاق، دون التطرق للنزيف البشري الذي لم يتوقف قط.
الحقيقة الثانية ان الولايات المتحدة لم تقض على المقاومة العراقية ويبدو انها لم تعد قادرة على القضاء عليها، وبالتالي فان مسألة استعادة المقاومة لقوتها وفعاليتها تبقى مسألة مطروحة وممكنة في أي وقت خاصة حين تضطر الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق.
الحقيقة الثالثة : ان الولايات المتحدة فشلت فشلا ذريعا في ايجاد نظام سياسي مستقر للعراق، والطبقة السياسية التي قدمتها ودعمتها حتى الآن أثبتت فسادها وفشلها في حكم العراق، بحيث يصعب تصور بقائها بدون الوجود العسكري الأمريكي.
الحقيقة الرابعة : ان الجيش العراقي الذي تم تشكيله على انقاض الدولة العراقية المدمرة أثبت فشله في آخر امتحان له في البصرة، وبأخذ حالة التشرذم السياسي الحالي وانعدام الاستقرار يمكن القول انه لن يكون قادرا على السيطرة على العراق حال انسحاب القوات الأمريكية.
الحقيقة الخامسة : ان اللعب بالورقة الطائفية تسبب في عزل الفئة الحاكمة وعجزها عن ادارة الدولة ووضع الأساس لاستدامة حالة عدم الاستقرار السياسي.
الحقيقة السادسة : ان الشعور بالانتماء العربي يزداد قوة على حساب الانتماء الطائفي، بحيث لم يعد بعيدا توقع التقاء تيارات المقاومة السياسية والعسكرية من الشيعة والسنة على ارضية برنامج وطني واحد.
تظهر الولايات المتحدة بمأزقها العراقي كمن يدوس على لغم أرضي، فحياته مؤمنة فقط طالما بقيت رجله ضاغطة على ذلك اللغم، لكن المشكلة الكبرى انه لا يستطيع البقاء ضاغطا على اللغم فترة طويلة.
كل الدلائل تشير الى ان موعد رحيل القوات الأمريكية سيكون موعدا لانهيار كل البناء الذي بنته الولايات المتحدة في العراق، اما الاتفاقات والمعاهدات التي تنوي توقيعها مع الحكومة العراقية، فقيمتها لن تزيد عن قيمة الحبر الذي سيراق على أوراقها.
لقد فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وعنوان فشلها هو الرغبة العارمة لدى الرأي العام الأمريكي بتغيير السياسة المتبعة تجاه العراق، وربما كان أحد اهم اسباب تفوق اوباما كمرشح للحزب الديمقراطي على منافسته هيلاري كلينتون يكمن في كونه أكثر وضوحا في موقفه من سحب القوات الأمريكية من العراق.
تخفيف الآثار المترتبة على الفشل الأمريكي في العراق واحتواء نتائجه الاقليمية والدولية ذلك سيكون هدف السياسة الأمريكية للمرحلة المقبلة، وليس بالأمر السهل واليسير بلوغ ذلك الهدف الذي يبدو كثير التواضع.
ويبقى ان نتوقع محاولات أمريكية مستميتة لاحراز انتصارات حقيقة او دعائية في اماكن اخرى تساهم في ترميم صورة الهيبة الأمريكية المنهارة، من اجل ذلك يصبح مفهوما ومبررا ذلك الحذر الايراني والسوري في التعامل مع السياسة الأمريكية الجريحة في العراق أقلها ريثما تعتاد النخب السياسية الأمريكية على تقبل الهزيمة والتكيف معها.
(***)
مأزق أمريكا العراقي – احتواء الهزيمة
معقل زهور عدي