يتحدث المناضل الفلسطيني "أبو موسى" ذو العقود الثمانية، وما ينوف عن ذلك، الزاخر ذهنه بتفاصيل النضال الفلسطيني، منذ ثورات القسام وعبد القادر الحسيني وصولاً إلى كافة معارك الثورة أينما تواجدت، معترك وطني طويل خاضه ذلك المناضل ضد العدو الصهيوني في داخل الوطن المحتل وفي الأردن ولبنان، ومن ثم وقوفه في وجه الانحراف بالساحة الفلسطينية مبكراً بعد تبني النقاط العشر أو البرنامج المرحلي ومن ثم اعتراضه على كل الصفقات السياسية التي كان يروج البعض لها وصولاً إلى موقفه الواضح في رفضه لكل التسويات التي تنال من حقوق شعبنا الفلسطيني التاريخية.
إنه لقاءٌ يحيي الأمل في النفوس بعودة الروح القومية إلى أمتنا التي لم تغادرنا يوماً وإن آلمتها الطعنات المتتالية من داخلها وخارجها، ولكن نستبشر من خلال تلك الأقلام والعقول والمناضلين ما يؤسس لمقدمات مشروع نهضوي عربي نأمل بأن يكون قريباً وليس بعيداً.
واللقاء الثاني عقد مع مجموعة من كتاب وإعلاميي تونس يتقدمهم الأستاذ أحمد الكحلاوي المثقف والإعلامي والناشط النقابي صاحب الرؤية الثقافية التي تحمل هموم الأمة بكل ما تعنيه من رغبة في مشروع نهضوي بجناحي الأمة (الإسلام والعروبة)، وعندما تصغي لذلك الرجل ينتابك شعوراً بالأمل والتفاؤل بأن ما زال لدينا ما يؤهلنا لأن نكون أمة قادرة على التطور واللحاق بمسيرة التقدم، ولكن ذلك يحتاج إلى عصرنة وعينا بما يتناسب مع فهم الواقع دون التنازل عن الموروث والهوية والكيان العربي.
وما يفاجئك بهذا اللقاء ذلك الرجل الصامت الكاتب والمثقف الذي يخفي وراء صمته ما يشعرك بأنه يحترق على واقع أمتنا الممزق ورغبته بعودة مراحل المد لقومي كي نستفيد من كل تجارب الماضي، ولكن أكثر ما أثر في داخلي عندما عرفت بأن ابنه استشهد في لبنان في عام 1982 أثناء حصار بيروت بعد أن التحق في صفوف الثورة الفلسطينية، وكان سؤاله الذي قرأته بين عينيه هل استشهد ابني من أجل هذا الواقع العربي المرير أم أنه سقط شهيداً لأنه أراد أن يجسد قومية المعركة مع الكيان الصهيوني وأن الصراع مع هذا العدو ليس صراعاً فلسطينياً فحسب بل هو صراع قومي والدفاع عن فلسطين هو دفاع عن كل العواصم العربية.
وعندما تسمع أولئك الكتاب والمثقفين والذين عبّروا جميعاً وبلغة واحدة عن ضرورة إيجاد السبل من أجل النهوض بأمتنا ومواجهة المشاريع المشبوهة والمؤامرات التي تحاك ضد عروبتنا وبصوت متهدج تسمع أحدهم يقول بأننا مع التسامح بأي شيء إلى مع المشروع الصهيوني لا يمكن أن يكون هناك تسامحاً مهما طال الزمن.
ولكننا نقول برغم طغيان الوعي القطري على الوعي القومي عند البعض من أبناء أمتنا، لكن مثل هذه اللقاءات على ندرتها لأسباب معروفة لدى الكثيرين، إلا أنها تشعرك بدفء العروبة وحرارة الحوار القومي، وبأننا قادرون على التمرد على هذا الواقع العابر، كما يمكننا من إيجاد المفاهيم المشتركة التي ستصنع فجراً جديداً نعيد من خلاله لهذه الأمة بريقها وألقها الذي تلألأ في سمائنا ذات يوم، وجل ما نحتاجه الإرادة والعزيمة والمثابرة على بناء مداميك مشروعنا النهضوي معتمدين على قدراتنا الذاتية وإمكانياتنا الكبيرة، فنحن الراسخون بالأرض والحالمون بغد أفضل.