لم يعد يطلب من المقبلين على الزواج في قطاع غزة توفر المعايير والشروط اللازمة والمتعارف عليها عند الجميع لإتمام عقد الزواج ، حيث أصبح البعض يعتبر شرط توافق الانتماء الحزبي أمراَ ضرورياً ومهماً لا مجال للتهرب منه أو التغاضي عنه ، ( غ ، م ) 22 عام طالبة في جامعة الازهر والتي فضلت عدم ذكر اسمها تقول لدنيا الوطن أنه تقدم لخطبتها 4 أشخاص لكنها رفضتهم جميعاً لانها تفضل أن ترتبط بزوج يتوافق معها في الانتماء وفي الآراء حول القضايا الاجتماعية والسياسية المختلفة ، مشيرة إلى أنها تنتمي " لحركة فتح " ومن الضروري والمهم برأيها الارتباط بزوج لا يختلف معها في كثير من القضايا المحيطة لان ذلك سيتسبب بخلافات ومشكلات هي في غنى عنها على حسب قولها ، وأشار غسان يوسف 24 عام إلى أن الكثير من الاهالي أصبح لايهمهم كيف ستصبح " حياة ومعيشة إ بنتهم " بعد الزواج بقدر ما يهمهم إلى أي التنظيمات ينتمي العريس " فتح أم حماس " ، موضحاً أن الانقسام الفلسطيني وعدم تطبيق اتفاق المصالحة بات يشكل عبئاً كبيراً على المجتمع الفلسطيني ، الذي أصبحت تغزوه الكثير من الافكار والآراء الغريبة والتي لم نعتاد عليها من قبل .
غسان لاينتمي لاي حزب ويقول أن " فتاة أحلامه " ليس بالضرورة أن تنتمي لحزب معين ، وأنه سيسعى للزواج بصاحبة " الخلق ، والدين، والجمال "، ويؤكد سليمان أبو طعيمة 22 عام وجود تلك النظرة للانتماء الحزبي عند الكثير من الاسر الغزية ، مؤكداً أنها لاتقتصر على الفتيات وأسرهم فقط ، لكن الكثير من الشباب المقبلين على الزواج يفعلون ذلك أيضاً ، ويسعون للزواج بمن يوافقونهم في الانتماء ، أبو طعيمة يقول أن " كل شخص حر في آرائه " ، لكن " عش الزوجية " كما أحب أـن يوصفه يجب أن يكون مصان و بعيد كل البعد عن التعصب للحزب وتوجهاته السياسية ، وأشار خالد محمد 21 عام طالب في كلية الهندسة في الجامعة الاسلامية أن وجود الاحزاب أدى الى احداث التفرقة في المجتمع الفلسطيني ، موضحاً أن الحل الوحيد برأيه يتمثل في عدم الاحتكام للاحزاب في القضايا الاجتماعية المختلفة ، مضيفاً أنه حتى لو تم إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة فإن تلك المظاهر لن تزول ويخشى من تعمقها .
وكانت النائبة في المجلس التشريعي الدكتورة نجاة الأسطل قد أكدت في ندوة نظمها تحالف السلام الفلسطيني في مدينة غزة بتاريخ 25/3/2008 ، على " أن المرأة الفلسطينية يقع على كاهلها مسؤولية أكبر في ظل الظروف التي نمر بها من انقسام داخلي وتشتت للأسرة التي هي عمادها بفعل الانتماءات السياسية، وشددت على ضرورة دور المرأة في تعزيز ثقافة التسامح وتعزيز السلم الأهلي بين أبنائها في الأسرة كونها تمثل نواة المجتمع .
وفي ندوة نظمها مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية بتاريخ 7/3/2010 ، بعنوان" أثر الانقسام الفلسطيني الداخلي على المرأة الفلسطينية " أكدت رئيسة مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية في قطاع غزة هدى حمودة " أن الانقسام الداخلي ترك آثاره السلبية على المرأة الفلسطينية وعلى مستوى الأسرة والمجتمع . حيث جعل المرأة طرفاً ضعيفاً لا تستطيع تفادي النتائج الكارثية للانقسام والخسائر الناجمة عنه .
وفي دراسة بحثية حديثة أعدها مركز معلومات وإعلام المرأة حول أثر الانقسام الداخلي على المرأة بينت الدراسة أن 71% من أفراد العينة أفدن أنه أصبح للانتماء السياسي تأثير كبير في اختيار الزوجات والأزواج ، فيما أفدن 62% من أفراد العينة أن الانقسام قد تسبب في حدوث مشاكل عائلية داخل أسرهم , وأجابت 19% من أفراد العينة أن الانقسام أدى إلى قطع الصلات العائلية نهائياً , بينما أفادت 20% أنها وصلت حد استخدام العنف أو التهديد.
حنان مطر المحامية في وحدة المرأة بالمركز الفلسطيني لحقوق الانسان تقول " لدنيا الوطن " الانقسام الفلسطيني انعكس بشكل سلبي على المجتمع الفلسطيني مشيرة الى وصول عدة شكاوي للمركز على خلفية الانتماء الحزبي ، احدى تلك الشكاوي تقدمت بها سيدة متزوجة تعرضت للضرب من قبل زوجها بسبب حضورها حفل زفاف أحد أفراد عائلتها المنتمي معظمهم لحركة فتح ، حيث أثار غضبه قيامها بإخفاء " راية ترمز للحركة " في حقيبتها خلال ذهابها للحفل ، والتلويح بها لدى سماعها أغنية " على الكوفية " ، وذلك خلافاً لما نهاها عنه ، وفي حالة أخرى وثقها المركز كانت لسيدة أخرى ينتمي معظم أفراد عائلتها لحركة حماس بينما زوجها وأسرته ينتمون لحركة فتح ، حيث حدثت عدة خلافات نتيجة عدم مشاركة الزوجة لعائلة زوجها في أفراحهم ومناسباتهم ، مما أدى الى الانفصال بينهم ، وأوضحت مطر أن كلا العائلتين تتمتعان بسمعة طيبة ، لكن الانقسام برأيها وصل الى تفاصيل الحياة الكبيرة والصغيرة منها.
وقالت زينب الغنيمي مديرة مركز الابحاث والاستشارات القانونية للمرأة " لدنيا الوطن أن اشتراط البعض توافق الانتماء الحزبي للموافقة على عقد الزواج هو اشتراط منطقي و سليم من الناحية القانونية ، ويندرج ضمن مبدأ " التكافؤ " وهو قاعدة شرعية في القانون ، مشيرة الى أن التكافؤ بمعناه العام يشمل التكافؤ المادي والاجتماعي والسياسي أيضاً ، وأوضحت الغنيمي أن الاشتراط يحدث في الغالب من قبل الفتيات وأسرهم ، وهو يبرز بشكل واضح عند المنتمين للاحزاب التي لها أيدولوجيات واضحة وهنا يقع التحفظ ، أما الاحزاب الجماهيرية والتي لاتحمل أيدولوجيات محددة وواضحة فالامر أسهل بالنسبة لها ، مؤكدة على حق المرأة الكامل في اختيار شريك حياتها ، وهو ما سيؤدي الى نتائج ايجابية على صعيد استقرار الحياة الزوجية لانه سيتحقق فيها شرط الكفاءة بين الزوج وزوجته .
وأشارت سمر حمد أخصائية نفسية بالمركز الفلسطيني للديمقراطية و حل النزاعات في حديث " لدنيا الوطن أن الانقسام السياسي انتقل الى المجتمع وتسبب بمشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية من بينها قضية الزواج على أساس الانتماء الحزبي ، مبينة في هذا الصدد إلى أن المركز يتلقى ما مجموعه 60حالة شهرياً معظمها لديها مشكلات اقتصادية واجتماعية نتيجة الانقسام السياسي ، وأوضحت حمد أن الكثير من النساء أصبن بالاحباط والاكتئاب بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها أسرهم ، حيث أدى ذلك الى حالات طلاق عديدة ، ونشوء خلافات بين الازواج يدفع في الغالب ثمنها الاطفال ، معبرة عن خشيتها من أن تصبح قضية الزواج حسب الانتماء الحزبي ظاهرة يصعب ايجاد الحلول لها، وهو ما يتطلب من الجميع التكاتف من أجل إنهاء الانقسام ومحاصرة نتائجه .