ما بعد "الدولة".. مستقبل المقاومة ومصير الوحدة: إلى أين ؟!
2011-09-22 10:51
بقلم/ ثابت العمور
أثار موضوع ذهاب السلطة للأمم المتحدة الكثير من التساؤلات وما زال يثيرها، وستطرح العديد من المعادلات والفرضيات.. بعضها تم التعرض إليه على عجل وبالطبع لم يأخذ حقه عن قصد وتعمد وإصرار على الهروب والتهرب.. كقضية اللاجئين وحق العودة والسيادة وبقية القضايا المتعلقة فيما عرف بقضايا الحل النهائي، ولسنا هنا بمعرض التعرض لكل هذه القضايا وقد قيل فيها ما قيل، ولكن الذين يقولون "استحقاق" الدولة ويرون أنها نهاية المطاف.. لماذا صمتوا عن الحديث عما هو مطلوب من هذه الدولة؟.. لقد عشنا ورأينا المستحقات التي طلبت من السلطة إثر توقيعها لاتفاق أوسلو وسنوات منتصف التسعينيات ليست ببعيدة عنا، ويوميات التنسيق الأمني وحيثياته ما زالت حاضرة وشاهدة.
إن أهم سؤال يستحق الإجابة والوقوف عنده مطولا: ما هو مستقبل المقاومة الفلسطينية بعد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية؟.. بالطبع ستكون هناك إلزامات والتزامات مطلوبة من هذه الدولة، وأهمها في العرف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتخطط له الصهيونية العالمية ويصفق له العالمان -العربي والغربي- هو مكافحة ما يعرف زورا وبهتانا بـ"الإرهاب"، وجل فصائل المقاومة الفلسطينية مصنفة على اللوائح الدولية بأنها "إرهابية"، وبغض النظر عن مصداقية التصنيف وموضوعيته فإن أحد أهم الشروط المطلوبة من الدولة الموعودة مواجهة ومكافحة -ولا مانع من الصدام- مع هذه الفصائل والقوى.
والخبرة التاريخية القريبة توضح أن السلطة التي يتوقع ويراد لها أن تصبح دولة ستلتزم بل ستبالغ في التزامها اتجاه التضييق والاعتقال والمطاردة ضد كل ناشطي فصائل المقاومة وقادتها العسكريين منهم والسياسيين، وبهذا سنكون أمام سنوات عجاف من الشد والمد في العلاقة (الفلسطينية–الفلسطينية) ما بين دولة بغض النظر عن مواصفاتها و"استحقاقاتها" تريد الوفاء بكل الالتزامات وأجزم بأنها ستبالغ وستتجاوز حد الالتزام إلى ما هو أبعد منه لأنه عمليا باتت لدينا ثقافة "دايتون".. وبين فصائل مقاومة أخذت على عاتقها والتزمت في مواثيقها وخطابها وأدبياتها بتحرير فلسطين التاريخية كاملة.. حتى وإن تجرأ البعض على إيجاد مخارج نتيجة حسابات سياسية بالقبول بدولة على حدود العام 67 فإنه لم يجرؤ على القول إن هذا موقف نهائي وإنه سيتوقف عن هذه الحدود، وبهذا فإن إحدى نتائج خطوة أيلول هي حدوث مواجهة حتمية بين الدولة وفصائل المقاومة الفلسطينية وتحديدا الإسلامية منها.
تحقيق هذه الفرضية -بالمناسبة هي واقعية ومنطقية جدا- لا باستدعاء التجربة التاريخية فقط ولكن باستحضار معطيات الواقع وإحداثيات الحاصل في الضفة الغربية من الأجهزة الأمنية "الدايتونية"، وقد عشنا قبل ذلك -تسعينيات القرن الماضي- الحيثيات نفسها في قطاع غزة..
هكذا إذن تكون الدولة قد أخذت على عاتقها مواجهة المقاومة والحد منها واغتيالها وتصفيتها بكل الطرق والوسائل وهي متعددة، وقد سبق اللجوء إليها وليس بالضرورة أن تكون كلها ذات طابع عنيف وصدامي ولكن هناك أكثر من طريقة، ولن تعدم الدولة القادمة الوسائل، وسيكون الاستقطاب الوظيفي –مثلا- أحد أهم معالمها وملامحها.. مواجهة وصدام واستقطاب إذن، ولن تتوقف المواجهة.. هذه الدولة وبهذه المعطيات لن تهدد المقاومة فقط، ولكن سيمتد الأمر لتهديد الوحدة الوطنية بكل مفاصلها السياسية والاجتماعية والوطنية.
والملاحظ أن بقايا جدار الوحدة الوطنية الذي رمم مؤخرا في القاهرة بالتوقيع على الورقة المصرية قد بدأ يدك مرة أخرى.. لم تعلن الدولة بعد ولا ندري إن كانت المجازفة قد تحقق حلم البعض أم سيعود "بخفي حنين"، ولكن المؤكد أن بنيان الوحدة الوطنية قد تعرض للقصف جراء افتراق المواقف واختلافها، وجراء الاستفراد بـ"خطوة أيلول" حتى باتت بقايا المصالحة في مهب الريح، وأعجب كيف يُقدم على قرار مصيري يتعلق بالمستقبل الفلسطيني قضية وشعبا ومنظمة دون تحصينه وتمتينه بأحد أهم مقتضيات الذهاب وهو وجود حد أدنى من الاتفاق فلسطينيا سواء بالذهاب أو بعدمه.
ويحضرني هنا تجربة الجزائر واستقلالها، وأعرف هذه البلاد جيدا وقرأت تاريخ الثورة الجزائرية ومواثيقها سنة كاملة وامتحنت في ذلك وتفوقت لأنني لم أقرأها فقط لأمتحن فيها ولكن لأنها تستحق الاستحضار والفهم والوعي والإدراك.. رغم الاختلافات الكثيرة التي عصفت بالثورة الجزائرية فإن الأخوة الثوار في الجزائر عندما ذهبوا للاستقلال كانت هناك جهة واحدة تمثل كل الجزائر.. البلد متعددة الأعراق بل الثقافات واللغات والتاريخ والحضارة.. ذهبت جبهة التحرير الوطني الجزائري وفي الوقت نفسه كان الجيش الشعبي الجزائري -الجناح العسكري لجبهة التحرير- موجودا على الجبهة يقاتل في سبيل التحرير، وعندما استقلت الجزائر كان الجناح العسكري للثورة اللبنةَ الأولى للجيش الجزائري.
جلّ القادة الفلسطينيين يدركون ذلك وعاشوه بل اختصت الجزائر بأن يكون إعلان الدولة الفلسطينية من على أرضها، ولكن لم يستحضر المعلنون التجربة الجزائرية وغيبوها عن قصد وعن عمد.. استحضرت الحديث عن الجزائر بثورتها وتجربتها لأن البعض بات يلوح بالمقاومة الشعبية الفلسطينية.. نعم، للبعض حرية ما يراه، ولكن دون أن يكون رأيه حكرا أو "حجرا" على الأخرين، ووجود المقاومة الشعبية لا يلغي وجود المقاومة المسلحة وبقاءها واستمراريتها لأن جزءا كبيرا من المقاومة الشعبية يستند على التأييد العالمي والدولي وعلى استحضار القانون الدولي والإنساني وعلى الشرعية الدولية، وهي مقاومة تهدف إلى فضح الاحتلال وممارساته وتسعى لإدانته.. جيد، ولكن من هم واضعو القانون الدولي بمختلف تفرعاته؟.. من هم قادة المجتمع الدولي؟.. كم مرة أدين الكيان الصهيوني؟.. وماذا كانت النتيجة؟.. استنزاف الكيان وإقلاقه لن يتم فقط بالمقاومة الشعبية، وإن تم الارتكان والارتهان إلى نوع معين من هذه المقاومة سنكون بالفعل أمام تهديد آخر يتهدد المقاومة المسلحة ويتربص بها وبالقوى الإسلامية المقاومة.
يهمس البعض بأن الدولة لن تهدد حق العودة، ويستشهد بأن حق العودة حق فردي لا يسقط بالتقادم ولا يمتلك أحد التفاوض عليه أو التنازل عنه.. جيد، قد يكون الاستفتاء أحد المخارج.. كل الحق لحق العودة!!.. ولكن أيعقل أن يكون الذهاب للأمم المتحدة رأيا شخصيا واجتهاد مجموعة من الأفراد؟.. يصور البعض الذهاب على أنه أمر مقدس.. لا بأس.. وبأنه أعلى وأسمى ما يمكن فعله لدى المفاوضين والمراهنين.. طالما أنه هكذا لماذا لم يستدعَ الناس!.. قد تكون الرواتب ألهتهم وغلاء المعيشة والضرائب والكوبونة والملاحقات الأمنية.. وكثيرة هي الأشياء التي استحدثتها السلطة وستحضرها الدولة فيما بعد لإلهاء الناس لا عما يحدث ولكن حتى عما يمكن أن يحدث.
إن كان لا بد من الذهاب فليخرج أحدكم ويقول للناس سنذهب هكذا ومن أجل كذا وخياراتنا هي كذا وكذا.. لكن أن يوضع البيض كله في سلة واحدة فهذا أمر لا يوحي بجدية ولا بعقلانية ولا بموضوعية.. إن كان الذاهبون قد تجاهلوا الناس وتجاوزوهم فإن المفاجأة أن رافضي الذهاب لم يقولوا لماذا يرفضون وما هي خياراتهم وبدائلهم ومقتراحاتهم؟.. لا يجب أن نكون علماء وعباقرة في القانون ولسياسية لكن يفترض أن يأخذ برأي الناس وبوعيهم وإدراكهم، ورأيهم الحد الأدنى والحيز المعقول في فكر وممارسة من يريدون تقرير مصيره..
الختام: نحن هنا أما خطوة خطيرة همّ بها البعض وهي في كل الحالات والاعتبارات والالتزامات تهدد المقاومة وتستهدف الوحدة وتستنزف الوعي وتتجاهل الإنسان الفلسطيني، وسيكون إحدى أهم نتائجها -أيا كانت- وقوف الإنسان الفلسطيني مطولا أمام حالة التجاوز الحاصلة له، وفي كل الحالات سيكون القرار النهائي للشعب ولخياراته ولخطواته، ومثلما كانت الانتفاضة الأولى والثانية بقرار شعبي جماهيري فلسطيني سيكون هناك حتما قرار شعبي فلسطيني، وهو في كل الحالات أفضل مما هو مطروح الآن.