يقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل لا يمكنها منع الجمعية العامة في الأمم المتحدة من التصويت على الاعتراف بدولة فلسطينية، ولكنها ستكون مطمئنة إلى استخدام الولايات المتحدة لحق النقض 'الفيتو' في مجلس الأمن. وبذلك سيكون الموقف الفلسطيني حسب نتنياهو محكوماً بالفشل على اعتبار أن تصويت الجمعية العامة دون مجلس الأمن لن يفضي إلى تحول فلسطين إلى عضو كامل في الأمم المتحدة.
مع ذلك يعترف نتنياهو بأن قرار الأمم المتحدة في أيلول هو مقدمة لـ 'تسونامي' يجب الاستعداد له. وبالفعل إسرائيل على كل المستويات تستعد للقادم. فالشرطة الإسرائيلية حسب تصريحات مفتش عام الشرطة يوحنان دانينو تجهز نفسها لما تقول إنه مواجهات عنيفة محتملة بادعاء أن التصريحات الفلسطينية التي تتحدث عن انتفاضة شعبية قد تؤدي إلى نزاع عنيف. وتضع المؤسسة الأمنية في إسرائيل سيناريوهات عديدة لما يمكن أن يحدث في أيلول وبعد أيلول القادم على ضوء توجه الجانب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في المنظمة الدولية ولكن على أساس حدود العام 1967.
ولكن هناك أسئلة وسيناريوهات تجد المؤسسة الإسرائيلية صعوبة في مواجهتها من قبيل: ماذا لو تدفق الفلسطينيون بأعداد هائلة، مئات الآلاف مثلاً إلى الحدود وقرروا اجتيازها سواء من دول الجوار أو حتى داخل فلسطين باتجاه الجدران والأسلاك التي تضعها إسرائيل حول المستوطنات وفي كل مكان؟ هل تستطيع إيقافهم؟ وماذا عليها أن تفعل لمنعهم من التقدم؟ هل يتم إطلاق النار عليهم بلا هوادة وإحداث مجزرة جديدة؟ وما هي ردود الفعل الدولية فيما لو قامت قوات الاحتلال بإطلاق وابل من الرصاص على جماهير غفيرة تطالب بحقها في الحياة الحرة الكريمة؟!
لا يدّعي أحد من الإسرائيليين أنه يملك الإجابة على هذه التساؤلات وإن كانت عمليات تحصين الحدود الخارجية قد بدأت أولاً في هضبة الجولان السورية المحتلة، حيث شرعت قوات الاحتلال بزرع ألغام أرضية على طول الأسلاك الشائكة الفاصلة بين الجزء المحتل والجزء الذي هو يخضع لسيطرة الدولة السورية.
الحكومة الإسرائيلية تبذل جهوداً جبّارة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل منع ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة أو على الأقل لإحباط جهودهم في الحصول على المزيد من الاعترافات الدولية، وتبدو أوروبا الساحة الأهم للمواجهة السياسية بين الجانبين، خاصة مع وجود احتمالات جيدة لاعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين على حدود 1967 بعدما عمدت دول عديدة إلى رفع مستوى التمثيل الفلسطيني على أراضيها إلى مستوى بعثة.
من الواضح أن نتنياهو قد حسّن من شعبيته بعد الخطاب الذي ألقاه أمام اجتماع مجلسي الكونغرس الأميركي، خاصة على ضوء التصفيق شبه المتواصل الذي حظي به من أعضاء الكونغرس الذين حرصوا على أن يظهروا على شاشات المحطات الفضائية وهم يصفقون له وقوفاً وجلوساً مع أنه وجه صفعة قوية لرئيس الولايات المتحدة عندما رفض موقفه بشأن التوصل إلى حل لمسألة الحدود بين فلسطين وإسرائيل على أساس خطوط حزيران من العام 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي. وبطبيعة الحال عيون كل المصفقين كانت تتجه نحو الداعمين المحتملين لهم في الانتخابات القادمة من أطراف اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.
مع ذلك، لم يطمئن نتنياهو الجمهور الإسرائيلي على المستقبل السياسي لإسرائيل، وكيف يمكن تلافي وضع تصبح فيه إسرائيل في عزلة دولية تترتب عليها تبعات وربما عقوبات حتى لو كان الرئيس الأميركي أوباما قد وعد بمنع عزل إسرائيل دولياً وبالحفاظ عليها وعلى أمنها. وبرغم الارتياح من دعم الكونغرس للموقف الإسرائيلي والدعم الأميركي عموماً إلاّ أن الإسرائيليين يعلمون أنهم في الميدان سيواجهون ظروفاً عصيبة فيما لو اندلعت انتفاضة شعبية فلسطينية جديدة، كما أن الظروف في الدول المحيطة لن تكون لصالحهم على المدى المتوسط والبعيد.
الشعور الإسرائيلي بالمأزق القادم لم يؤد إلى تعلّم الدرس من التجارب التي مرت بها إسرائيل والمنطقة، بل إن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تواصل الهروب إلى الأمام بتكثيف الاستيطان فيما يشبه 'تسونامي' استيطانياً يزيد من المأزق الإسرائيلي عموماً ولا يشكل أي حل منطقي يعود على إسرائيل بالفائدة.
الاستيطان فيما يقول عنه نتنياهو أرض الأجداد سيقود في نهاية المطاف إلى إغلاق الطريق أمام حل الدولتين وأمام فكرة الدولة اليهودية التي يدعو إلى الاعتراف بها. ويبدو أن الإسرائيليين متشجعون من فكرة تبادل الأراضي التي أصبحت لازمة لأي حديث عن دولة فلسطينية على حدود العام 1967، ولهذا فهم يعتقدون أن أي بناء استيطاني جديد ربما يشكل أمراً واقعاً يجري الاعتراف به لاحقاً باعتبار أن ما تضمه إسرائيل إليها في مشاريعها الاستيطانية يمكن أن يصبح جزءاً من الدولة أو يجري تبادله مع الفلسطينيين.
ويغيب عن بال هؤلاء أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من دولة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وأن أي تبادل للأراضي لا ينبغي أن يؤثر على التواصل الإقليمي داخل اطار هذه الدولة أو يمس بمصالحها الاستيراتيجية بما في ذلك موضوعا الأمن والمياه. ولو فرضنا أن الفلسطينيين سيخضعون لضغوط تؤدي بهم إلى القبول بدولة أقل شأناً من التي يريدون فهذا بكل تأكيد سيؤدي إلى كوارث مستقبلية.
ينبغي على العقلاء في إسرائيل أن يضغطوا على قيادتهم السياسية لعدم إضاعة الفرصة التاريخية السانحة الآن لتحقيق حل الدولتين على أساس حدود العام 1967، ووفقاً لما تحدث به أوباما، طبعاً مع حل قضيتي القدس واللاجئين وغيرهما وفقاً للقرارات الدولية، وإلا فإن التطورات في المنطقة قد تكون أسرع بكثير مما يحتمل العقل السياسي الإسرائيلي البطيء جداً في استيعاب دروس التاريخ. وما يمكن أن يكون ممكناً الآن قد يصبح صعب المنال أو مستحيلاً يوم غد.