لنتفق مقدما ان انسب المخارج الملائمة عراقيا واقليميا ودوليا للمأزق الامريكي في العراق، هو جدولة انسحاب القوات المحتلة خلال عام واحد من تاريخ موافقة مجلس الامن على اخر تمديد جديد لوجودها في العراق، خاصة وان كل مبررات وضع العراق تحت البند السابع قد انتفت تماما، فهذا البند يقضي بجواز استخدام القوة ضد البلدان التي، تهدد الامن والسلام العالميين ـ وقد ثبت عمليا ان لا وجود لاسلحة الدمار الشامل فيه، وتم نزع سلاحه وتصفية معظم تبعات حرب الخليج الثانية والتي بسببها عوقب العراق وحوصر ـ وقد اعلنت الحكومة الامريكية بنفسها بعد احتلالها العراق انه لم يعد مهددا للامن والسلام العالميين، عليه يمكن لمجلس الامن وبطلب من الحكومة العراقية النظر برفع العراق من وصاية البند السابع الذي يتخذ كحجة مفبركة لبقاء الاحتلال بثوب المعاهدة المتكافئة!
ان الامرالذي لم يتم البت فيه وحتى الان هو حرب الخليج الثالثة ومخالفتها لكل بنود واعراف الامم المتحدة بما فيها بندها السابع، ثم ما تبعها من احتلال امريكي معلن وموثق لبلد مستقل وذا سيادة كاملة هو العراق، والحاق افدح الاضرار بارضه وشعبه ومصالحه، وهنا تبذل الادارة الامريكية العرجاء ما بوسعها للافلات من تبعات جرائمها مع بقاء الحال على ما هو عليه من خلال اعلان حالة تراضي بينها وبين حكومة صنعتها هي، على شكل معاهدة شراكة طويلة الامد ـ امنية واقتصادية ودبلوماسية ـ تلغي ما سبقها وتستبقي العراق رهينة طيعة للمحتلين. ومن نافل القول ان البت المجدي بهذا الامر لا يتم الا بين المعارضين والمقاومين للوجود الامريكي في العراق وبين العالم كله بما فيه الامم المتحدة ودول الجوار وامريكا ذاتها ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا اذا فرضت المقاومة والمعارضة نفسها وبقوة من خلال مضاعفة خسائر المحتلين ماديا وبشريا وحرمانهم من التمتع بنهب خيرات البلاد اضافة الى عزل القوى المتعاونة معه وتعرية مواقفها المهينة، وتبديد اي امتياز قد تحصل عليه بدعم المحتلين وجحافلهم.
لنتفق ايضا على ان اصرار ادارة بوش لتكريس وتأبيد احتلال العراق بصورة معاهدة معترف بها في الداخلين العراقي والامريكي هو اصرار على الظهور بمظهر المنتصر في تلك الحرب الاحتلالية خدمة للحزب الجمهوري ومرشحه جون مكين في التنافس الانتخابي المستعر مع المرشح الديمقراطي اوباما الذي جعل من موضوعة الحرب غير المبررة على العراق مفتاحا لحملته التي تلقى قبولا متزايدا بين الناخبين، اضافة الى دور تلك المعاهدة في الزام اي رئيس جديد بالتعاطي معها كتحصيل حاصل يصعب التنكر له بمجرد سحب القوات الامريكية، وعليه فانها تضع العراق تحت مظلة المصالح الامريكية وان اختلفت يافطات تلك المصالح " عسكرية اقتصادية سياسية امنية ". انه على كل حال امر يخص بالتحديد الاستراتيجية الامريكية في المنطقة والعالم وبالتالي على الادارات الامريكية جمهورية او ديمقراطية تبنيه!
ان اصرار القوى الطائفية والعرقية المستفيدة من الوجود الاحتلالي فيه على بقاء الحال على ما هو عليه هو احد عناصر الصراع التي يستخدمها المحتل للنيل من كل اشكال المعارضة لوجوده في الداخلين العراقي والامريكي. واللافت هنا ان المحتلين ممثلين بسفيرهم كروكر وكل اقطاب العملية السياسية يتبادلون الادوار في تسريب بنود الاتفاقية غير الموقعة حتى الان الى الرأي العام العراقي تحديدا، مع تقمص شخوص العملية السياسية دور المعارض لبنود الاتفاقية او الساعي لتحسينها ويبدو ان بعضهم بالغ بتقمصه لهذا الدور الذي لا يليق بهم، حتى جاءت صحيات الرفض الايرانية التي تريد هي الاخرى بنودا في المعاهدة. تعترف من خلالها امريكا بالدور الايراني ومستحقاته في العراق المتعاهد، هذه الصيحات جعلت الموالين المزدوجين ـ لامريكا وايران ـ يماطلون في موافقتهم على المعاهدة بل وذهب بعضهم لمعارضتها كليا كما فعل الجعفري وبدرجة اقل منه الحكيم، متظاهرين بانها لا تلبي شروط السيادة العراقية، وكانهم كانوا غافلين عن مضامينها، وعندما نبهتهم ايران استفاقوا وقالوا ما تقول !
كانت صحوتهم كصحوات العشائر التي راحت تقدم اعتذارها عن " غفلتها" للامريكاني فكسبت ماكسبته، صحوة احزاب المنطقة الخضراء قد تكسب اصحابها اضعاف ما كانت تكسبه من راعيها الامريكي علاوة على تأبيد هذا الكسب، كل هذا باضافة نوعية جديدة من الراعي والجار المستجار وقت الشدائد ـ ايران ـ التي قد تكشف ظهورهم وتقصمها اذا لم يبسطوا خدا لها اسوة بامريكا، لكن الامر لا يسلم ولا يمكن الجمع بين البيض والحجر طول الوقت دون ان يفقس البيض او ينكسر!
كأنهم لم يعلموا بما تريده امريكا من العراق ومنذ ان اجتمع بهم مساعد رامسفيلد قبل التحضيرات المتواترة لغزوه وباكثر من سنة، ومنذ ايام الوقوف على ابواب وكالة ـ السي اي ايه ـ لتلقي المعونات وتقديم المعلومات، كانت الشروط الامريكية واضحة ولا تقبل اللبس، فالمعاهدة الاتفاقية كانوا قد ابرموها من خلال تعهدهم برهن العراق لامريكا مقابل حكمهم له وتفاصيل التفاصيل يمكن سماعها من السيد صادق الموسوي او عراب الارتزاق الاحتلالي احمد الجلبي، اضافة الى تفاهمات الفصائل الستة الرئيسية التي كانت تشكل لجنة تنسيق ما يسمى بالمعارضة العراقية، لقد حملهم الاحتلال واحزابهم لحكم العراق والتكفل بحمايتهم فيه، فكيف يحصل كل هذا دون مقابل ولو مستقبلي ؟
ان زيارة المالكي الاخيرة لطهران بمثابة سعي وترغيب وترتيب لارضاء ايران بما تقدمه امريكا لها في العراق دون خلط الملفات المختلف عليها بين الجانبين!
فتخفيف التوتر بين الجانبين الامريكي والايراني وتقريب وجهات النظر بينهما من خلال طمأنة ايران بتضمين المعاهدة بملاحق اضافية سرية يجري فيها تقاسم النفوذ دون الاضرار باي طرف من الاطراف المتقاسمة وباقرار تباين حجوم وكيفيات تلك الادوار وقسمتها، سيؤدي حتما الى تطبيع الاوضاع بما يخدم كل الاطراف المتربصة بقدر العراق وشعبه، ومشهود لحكومة المالكي ومرشدها عبد العزيز الحكيم دورها في التخديم المزدوج لايران وامريكا على حساب شعب وارض وثروات العراق، وما اعلان التوقيع على اتفاقية امنية بين العراق وايران مؤخرا الا خطوة بهذا الاتجاه، اتجاه تسويق الاحتلالين والتوفيق بينهما وتطبيع الحالة العراقية القائمة حتى اشعار اخر!
بقلم ؟؟؟؟جمال محمد تقي