ليس حوار الدوحة هو الصورة الحقيقية للموقف العربي الرسمي من مشكلة لبنان. فالموقف الرسمي هو الذي اصطف بمعظمه، معظم الدول القطرية العربية وقفت ضد المقاومة، ومع الموقف الأميركي –الصهيوني. لا نقول هذا للتخوين، فربما يعتبره البعض بطولة، ولكن نقوله للحقيقية. لذلك، اضطر السيد وئام وهاب، صاحب اللسان البليغ أن يسمي السيد عمرو موسى: "لارسن العرب" . والسيد موسى هو ممثل مجموع وخلاصة الموقف العربي الرسمي، أي جميع القطريات، إذن ...فلا أخطر!
سارع الكثيرون لاتهام المقاومة بالقفز على السلطة، وقفزت إحدى الفضائيات لتكتب على شاشتها بوضوح: انقلاب حزب الله. عجيب. ذكرني هذا الأسلوب بأميركا إبان اغتيال البرجين:" اميركا تحت الخطر أميركا تحت العدوان"...الخ.
المقاومة، وحتى المعارضة باسرها ليست معنية بالسلطة. هي معنية بمعركة طويلة الأمد، مع السلطة وتحالفاتها الإقليمية والعالمية.
ولكن، إذا كان هذا هم المعارضة فلماذا الذهاب إلى الدوحة؟ قد يكون هذا الذهاب لأمرين:
الأول: للحفاظ على تماسك جمهورها بأنها لا تهدف سوى مصلحة البلد.
والثاني: لكسب الوقت لا سيما وأنها ليست في عجلة من أمرها لأن مشروعها طويل الأمد.
لعل الأكثر إثارة في لقاء الدوحة هو أن بلداً أو بلداناً عربية أنظمتها لا دستورية، ولا تاريخ او تقاليد ديمقراطية فيها ولها، وتحكمها أجهزة البوليس وترتبط بتبعية هائلة بالمركز الراسمالي العالمي ولا سيما الأميركي، بعد كل هذا تستضيف هذه الدول، قطر مثلاً، مؤتمراً يناقش الإنتخابات في لبنان، يناقش الديمقراطية وحرية الإنتخاب والترشح...؟
لعل الإستثناء أن قطر التي استضافت تسيفي لفني، وشمعون بيرس، وقاعدة العيديد وفضائية الجزيرة، واقامت علاقات مع الكيان الصهيوني، وعلاقات مع عراق الرئيس صدام حسين، هذه التوليفة شكلت ( CV) سميك لقطر في الديمقراطية والحريات والتعدد وحتى التلوُّن. ألم يقل الشاعر: "كما تلوّنُ في اثوابها الغولُ".
التقيته في الإنتفاضة الأولى، كان يصور عرضاً "عسكرياً" لأحد التنظيمات الفلسطينية في إحدى القرى.
سألته: ما هو تخصصك الجامعي؟
قال: صحافة
قلت : من اين؟
قال: من بلغاريا
لم أُكمل الحديث. ماذا تعلم شخص عن الصحافة، وهي تفترض قبل كل شيىء حرية الصحافة في بلد انتمى إلى معسكر لم يعرف هذه الحرية.
لعل المُفارق جداً في الأمر، أن الرجل كان يصور والكاميرا مغطاة فتحتها، فلم يصور شيئاً! فلم يجد اصحاب العرض ما يرسلونه للإعلام!
لا أعتقد ان هناك ضرورة للذهاب عميقاً في مناقشة المسألة البرلمانية في لبنان الطائفي. فالمحاصصة كي تُلغى تحتاج إلى بلد يقوم على المواطنة وليس الطائفة، وهذا الأمر يحتاج لإنجاز أمرين:
الأول: تعميق تجربة المقاومة والإنتماء لها بشكل جماهيري عريض على أن تمضي فترة من هذا الإنتماء.
والثاني: قيام اقتصاد بالحماية الشعبية يدمج الناس فيه تعاونيا وإنتاجياً بعيداً عن الهوية، اي استبدال القتل على الهوية، بالشغل بدون هوية.
وهذا يحتاج إلى وقت طويل، ولذا، ربما كان موقف المعارضة هو الصحيح، وهو الذهاب لانتخابات مبكرة حتى بدون تغيير كبير في قانون الإنتخابات، لأن المعارضة قطعت شوطا محترماً في لبننة الطبقات الشعبية في لبنان، بحيث حلت محل "تطييفها-من طائفة".
لكن فريق السلطة مرتعب من اية انتخابات. فما نصيبه بعد ان التقى حسن نصر الله وميشيل عون وأكثر من نصف الطائفة الدرزية، وقطاعات واسعة من السنة؟ لذلك، حاولت السلطة الإنقلاب بدءا من المطار، وحيث لم تنجح استعانت باميركا وإسرائيل.
ليس بوسع اميركا الإعتداء على لبنان في هذه الفترة. موقف جميل بلا شك، إدارة جورج بوش عملاق منبطح أرضاً يرقص على هامته نسر صغير ويبول عليه.
اما الكيان الصهيوني، فلا يمكنه المغامرة بحرب على المقاومة، لسبب بسيط هو أنها ليست "دولة" عربية كالتي اعتاد الجندي الصهيوني على صفعها على قفاها، فتستذكر بيت شعر ابن الرومي:
قصُرت اخادعه وطال قذاله فكأنه متربص أن يُصفعا
وكأنما صُفعت قفاه مرةً وأحس ثانية بها فتجمعا
وتجمع النظام في دولة عربية، يعني هنا الجغرافيا، اي التنازل للكيان عن جزء من الأرض بعد كل صفعة. من هنا، يحب الناس حزب الله والمقاومة، شيعة او شيوعيون، مع الإعتذار للسيد حسن نصر الله، لا يهم.
لذا تلجأ أميركا لإحالة الأمر إلى الأنظمة العربية، ريثما تجد لتآمرها فرصة.
مصدر القلق الرئيس هو ان استضافة الدوحة ليست إلا تأجيلاً للتناقض وانفجاره، بل وحتى تأجيلاً للطريق الوسط الذي تطرحه المعارضة، اي الذهاب للإنتخابات.
ففريق السلطة، وهو "ديمقراطي لبرالي" جداً، لا يريد إلا انتخابات يفوز فيها، وهذا غير متأتي اليوم!
لا شك أن تجربة أمين الجميل وفشله امام مرشح شاب من فريق ميشيل عون، قد تسحب نفسها على انتخابات قادمة، يجد جعجع والحريري وجنبلاط انفسهم في حالة "أجمل من أمين الجميل"!
التناقض في لبنان هو تكثيف للواقع العربي:
· فريق يؤسس لمشروع نهضوي عربي يبدا بمنازلة الكيان الصهيوني بدءاً من رفض التطبيع، وتحرير شبعا وتحرير فلسطين ومن ثم وطن عربي واحد. وهو إذا لم يؤسس لهذا المشروع، هو في طريقه عليه، وعلينا دفعه باتجاهه إلى أن تنعقد جبهة المقاومة من الصومال غلى بغداد إلى لبنان إلى فلسطين.
· وفريق يؤسس لشرق اوسط عميل.
لذلك، كان ممثل المقاومة بليغاً حين قال:"إنني أحاور العالم" أعانك الله.
فهل تنفع دوحة المهزلة لحل هذا التناقض؟ بالطبع لا. ولكن الدوحة كالدوحة، فيها البلابل وفيها الغربان.
_______
المصدر ؟؟؟؟؟ د. عادل سمارة
كنعان النشرة الألكترونية