غزة- منتدى كتائب الشهيد كمال عدوان -عدنان نصر
لا تخلو حياة المواطن نافذ خضر الغامرة بالتقلبات اليومية من الإرهاق والوجوم المسيطران على سحنته وهو يمزق الورقة الأخيرة من سجل رزمانته التي سجلت معاناة 1000 يوم على معاناة مليون ونصف مليون نسمة غزي يرزحون في حصار مضن، دفعهم للعيش في فقر مدقع.
ينتابه سخط شديد عندما يدور شريط حياته مستذكرا "أيام العز" كما يحلو أن يصفها، لكن سرعان ما يلف عينيه سواد قاتم بمجرد أن ينقل بصره في أرجاء مزرعة دجاجه المدمرة، ومسكنه البدائي المغطى بالصفيح في حي السلام شرق مدينة غزة.
وفرضت "إسرائيل" حصارا جائرا على قطاع غزة؛ بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع يناير 2006م، ومنعت إدخال المستلزمات الأساسية للسكان ومواد الخام للبناء بعد أن أسرت ثلاثة فصائل فلسطينية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
موجة الحر الشديد المخيمة على البلاد زادت من وتيرة معاناته، إذ أن ألواح الصفيح المنخفضة عن سطح غرفته المتواضعة غلت الدماء في عروقه، لذلك نأى يستظل بظلال شجرة ليمون غرسها في أرضه المجرفة بعد عام من الحرب الوحشية على غزة.
لهجة الغضب كانت بادية على ملامحه وهو يتحدث لـ منتدى كتائب الشهيد كمال عدوان "عن تداعيات الحصار اللعين التي حطت على رأسه، وتركته يصارع أزماته المتلاحقة ليعيش حياة لا ترقى بحياة الآدمية – كما يقول: " لم أشعر بيوم من الرضا وراحة البال طيلة فترة الحصار، فما أن نخرج من أزمة حتى تعود مجددا بثوب أكثر قتامه.
يضيف خضر الرجل الأربعيني التي شقت التجاعيد وجهه الأسمر بكلمات مقتضبة أن حياته أصبحت شبه معدومة مع تردى الأوضاع الاقتصادية المريرة، إذ أنه كان يقتات من مزرعة دجاجه وأرضه المشجرة بالليمون والبرتقال.
مع ذلك يأمل خضر أن تكون ذكرى الألفية الأولى للحصار طريقا للوحدة الوطنية الممزقة بفعل الانقسام، والتوصل لاتفاق ينهي الصراع بين حماس وفتح، لتلتئم جراح المشردين أمثاله، باعمار بيوتهم المدمرة.
ولم يترك الحصار الدامس ركنا من أركان القطاع، إلا وترك بصماته الملطخة بآلام المواطنين، ولعل عمال غزة كان لهم نصيب الأسد من ويلاته، فحجم البطالة المستشرية تجاوزت الـ65% بعد أن التحق ركب طويل لقطار العاطلين عن العمل.
المواطن أبو خالد الأيوبي كان واحدا ممن عصفت بهم رياح الحصار العاتية، وزجت بهم في براثن الفقر، فمنزله المتواضع خير شاهد على عيشته البسيطة، وغرفتاه الوحيدتان بالكاد تتسع لعياله العشرة.
لم يجد الأيوبي مسلكا في سنين الحصار المتعثرة إلا اللجوء لوزارة الشئون الاجتماعية، لتنتشله من الغرق، حجم المرارة والضيق عبرت عنه كلماته قائلا: " فقدت رزقي في عمل الدهان، فعدم السماح بإدخال المواد الخام، أغلق الطريق أمام مهنتي، مشيرا إلى أن مبلغ الـ 1000 شيكل التي يتقاضها من الشئون الاجتماعية كل ثلاثة شهور لا توفر له حياة هانئة، أو تحقق أحلام أطفاله الصغار.
ولا يغيب البال عن معاناة الطلاب الذين اكتووا بنيران الحصار، فمشاهد الدراسة على أضواء الشموع، ومصابيح الكيروسين لا زالت ترهقهم مع تواصل انقطاع الكهرباء في قطاع غزة، بسبب عدم السماح بإدخال السولار الصناعي لمحطة تشغيل الكهرباء.
فالطالب هيثم العشي يقضي ساعتين أو يزيد في المطالعة ، وحل واجباته اليومية على نور الشموع، مشيرا إلى أن الأجواء تشعره بالضيق والتوتر، وغالبا ما يسئم تلك اللحظات فيخلد للنوم على مضض قبل أن ينهي مذاكرته.
يحلم الغزيون مع مرور الألفية الأولى للحصار أن تتحقق أحلامهم المغمورة بالأحزان، وأن تطوى صفحة حياتهم البائسة التي لم تترك يوما سعيدا يتحدثوا عنه في تلك الذكرى المريرة.