الطيبي:أبو مازن تلقى تحذيرا من امريكا وهددت بحصاره

كشف نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي في حوار خاص مع "إيلاف" النقاب عن أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رفض مؤخرا عروضا أميركية وإسرائيلية لإطلاق مفاوضات سرية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأكد الطيبي أن رئيس السلطة الفلسطينية رفض التنازل عن أي من شروط الموقف الفلسطيني المعلنة، لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، كما أن عباس وجه في الأسابيع الماضية رسالة لنتنياهو عبر طرف ثالث، طالبه فيها بإتمام صفقة شاليط، حتى وإن كان ذلك سيسجل لصالح حركة حماس، مشيرا إلى أن عباس يعتبر نفسه مسؤولا عن كل الفلسطينيين وأن الإفراج عن كل أسير هو فرحة فلسطينية خالصة.

لا يمكن لصحافي إجراء حوار مع أحمد الطيبي دون الخوض في القضايا الفلسطينية وفي التطورات الداخلية، فالرجل ومنذ كان مستشارا لأبي عمار، يملك شبكة علاقات متينة ومميزة مع قيادات حركة فتح، وتربطه علاقة مميزة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ سنوات التسعين، وقبل أن يدخل الكنيست عام 1998. وقد دخل الكنيست برصيد فلسطيني جوهره عمله إلى جانب أبي عمار، وعلاقات واسعة ومعرفة في المجتمع الإسرائيلي جعلته ربما من قلة قليلة يعرف رجال السياسة في إسرائيل عن قرب، ويعرف كيف يفكرون. وعندما قلت له في مكتبه أليس غريبا أن نأتي لمحاورة عضو كنيست عن الشؤون الإسرائيلية فنغرق في الشؤون الفلسطينية ، اكتفى بابتسامة قالت الكثير وسكتت عن الكثير. فهو أكثر أعضاء الكنيست العرب قربا من السلطة الفلسطينية، تزين صور الرئيس الراحل أبي عمار مكتبه، وعندما سألته لماذا ثلاث صور لأبي عمار وليس واحدة قال إن لذلك قصة، فاليمين الإسرائيلي ظن أن بمقدوره أن يهدد بعزلي من منصب نائب رئيس الكنيست بسبب صورة واحدة مع أبي عمار، فكان ردي عقد مؤتمر صحفي في مكتبي، وإضافة صورتين أخريين لأبي عمار، نفس اليمين يتهم الطيبي بأنه رجل "أشاف" (أي م.ت.ف في الكنيست)..

الحوار مع الطيبي متعب، مع ذلك تبقى له نكهة غريبة، فأنت تجلس إلى رجل، يجمع لب التناقضات للفلسطينيين في إسرائيل، قريب من فتح ومن قيادات المنظمة وفصائلها، يشارك الهم الفلسطيني الفلسطيني، ولا يترك الهم المحلي، على الهاتف اتصال مع قائد اللواء الشمالي في الشرطة الإسرائيلية لإعادة فتح استاد سخنين، المعروف باستاد الدوحة ( وكان الطيبي صاحب الفضل في رصد المال القطري لإقامة الاستاد الرياضي الأوليمبي الأول لمدينة عربية في إسرائيل)، وعلى شاشة حاسوبه اتصالات ودعوات في البريد الالكتروني لإلقاء محاضرات وندوات عن حال الفلسطينيين في إسرائيل، وعن آفاق التسوية، واتصالات من نواب كنيست لمعرفة كيفية تصويته على اقتراحات مختلفة لقوانين معروضة على طاولة الكنيست. في ما يلي نورد نص الحوار:

* د. أحمد الطيبي صورة المشهد الفلسطيني قاتمة، تصريحات أبو مازن تؤخذ على أنها مناورة، من جهة، وعلى انها دليل على انسداد آفاق التسوية، أنت أكثر الشخصيات الفلسطينية في إسرائيل قربا من ابي مازن، كيف ترى المشهد الفلسطيني ونحن على أبواب العام الجديد؟

د. أحمد الطيبي: العام الماضي، كان عاما آخر في تعميق الخلاف الفلسطيني والانقسام ولذلك أستطيع القول إن السنة الفائتة شهدت واحدة من أسوأ السنوات التي مرت على القضية الفلسطينية بفعل الانقسام، ومن حيث انعدام الأفق السياسي وانتخاب حكومة ائتلاف يميني هي الأكثر تطرفا في حكومات إسرائيل إلى جانب التراجع الخطر والمربك للإدارة الفلسطينية في موضوع الاستيطان وخيبة أمل عالية لدى الكثيرين من الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة أوباما الذي رفع سقف التوقعات من إدارته في خطابه في القاهرة، لكن سرعان ما تبددت هذه التوقعات في الموقف الأخير للإدارة الأميركية من موضوع الاستيطان وتبنيها لموقف إسرائيل عمليا، الذي يقول إنه يمكن الاستمرار في الاستيطان بشكل متواز مع المفاوضات، إلى جانب قرار الرئيس عباس بعدم ترشيح نفسه لولاية ثانية..

*هل ترى هذا القرار جديا فعلا، وليس من باب المناورة؟

د. أحمد الطيبي: الرئيس أبو مازن جاد في قراره ولديه قناعة شخصية في ذلك، ويعود هذا القرار أولا لانعدام الأفق السياسي وانسداد "الفتحات حتى الصغيرة منها، ولا أخفيك أن أسلوب النقاش خاصة في قضية غولدستون، آلمَ الرئيس لأن الخطوط الحمراء في الجدل والنقاش وخلافة الاختلاف والجهاد، تم تجاوزها بشكل صارخ ، إلى جانب استمرار الانقسام. طبعا أنا لا أرى أننا نقف أمام انتخابات فلسطينية قريبا، ولذلك سيبقى أبو مازن رئيسا حتى إجراء الانتخابات القادمة ولا أعرف متى ستجري

* أنت أكثر أعضاء الكنيست العرب قربا من فتح، وعلاقاتك الخاصة مع قيادات فتح وكوادرها معروفة، والسؤال هو لماذا لا نسمع باعتقادك، ما دمت تقول إن هناك انسدادا في الأفق أن لفتح وللسلطة خيارا آخر غير المفاوضات، مع أن مؤتمر فتح الأخير في بيت لحم، وكنت ضيفا عليه، جدد التمسك بخيار الكفاح المسلح؟

د.أحمد الطيبي: تربطنا علاقة جيدة بكافة الفصائل الفلسطينية، بكل الفصائل، وسعينا بكل ما أوتينا من قوة لمحاولة رأب الصدع بين فتح وحماس وسائر الفصائل الفلسطينية ولم يكتب لهذه المساعي النجاح، فقد اتصل بي بالأمس أحد الأخوة المسؤولين في حركة حماس لأننا نريد المحافظة على هذا التواصل، وقلت له ما قلت لإخواني في فتح: يجب السير قدما باتجاه المصالحة، فتح وقعت على الورقة المصرية ونريد من حماس أن توقع فالخلافات سطحية وليست جوهرية ويمكن مناقشتها بعد التوقيع. من يعتقد أن التوقيع على الورقة المصرية سيؤدي فورا إلى المصالحة هو ساذج لأن هناك حالة مرضية من انعدام الثقة بين فتح وحماس وبين كوادر الفصيلين، هناك حاجة لكثير من الوقت لإعادة الجسد الفلسطيني على حالة قريبة من الطبيعية لكنا بعيدين عن ذلك، وأشعر بكثير من الحزن والأسى على ذلك.

فتح بعد مؤتمرها الذي قاده الرئيس عباس، تعافت من كثير من أمراضها وإخفاقاتها، هناك وجوه جديدة واعدة مليئة بالطاقة، تقوم بإعادة بناء الحركة وهي مطالبة بتصحيح الأخطاء التاريخية، والتنظيمية والأخطاء الشخصية للبعض. ما من شك أن البعض أساء لسمعة السلطة وفتح على مدار السنوات الأخيرة، وهناك من حوسب، وهناك من يجب أن يحاسب، وعليه فنحن نتابع ونقول رأينا أينما نستطيع بهذا الاتجاه فالوحدة الوطنية ليست عيشا رغيدا وإنما ضرورة حتمية لأي شعب يعيش تحت الاحتلال، لأن التحدي له هو الاحتلال وليس سلطة الحكم، أحيانا أنا لا أفهم على ماذا هذا الاقتتال، لا توجد دولة، هناك سلطة جزئية في الطريق إلى التحرير الذي يجب أن تقسم مسافته عبر إنجاز الوحدة الوطنية.

*أريد أن أسالك في هذه النقطة ما يلي، الأوضاع في غزة كارثية ومعروفة، وفي الضفة يبدو هناك نوع من الاستقرار والنمو الاقتصادي، مع ذلك جاءت عملية اغتيال عناصر فتح وتصفيتهم من قبل الجيش الإسرائيلي لترسل رسالة لفتح وقيادة السلطة بأنه إذا "لم تسيروا كما يجب" فسيكون مصيركم ومصير نشطائكم هو مصير حماس ونشطائها نفسه، على الرغم من الاتفاق بيننا ما هو تعليقك؟

د. أحمد الطيبي: ما حدث في نابلس هو بكل بساطة عملية إعدام بشعة، عودة إلى أسلوب التصفيات وهي رسالة لفتح، وللسلطة وللحكومة الفلسطينية. هناك في إسرائيل من يعتقد أن إعادة هذا النوع من المواجهة،: اغتيال ولربما عملية رد فعل فلسطيني، ثم اغتيال أو اجتياح يبعده عن ضرورة تنفيذ التزاماته الدولية خاصة في المسار الفلسطيني.

* أي أنت تقول إن هذا فخ إسرائيلي لسلطة أبو مازن، كما كان مع الرئيس الراحل أبو عمار قبيل عملية ما يسمى "بالسور الواقي" وحصار أبو عمار في المقاطعة عام 2002؟

د. أحمد الطيبي: قد يكون هذا هو السبب وهناك إدراك فلسطيني أن هناك من يريد أن يدفع الجانب الفلسطيني والسلطة وفتح إلى مواجهة تكون لإسرائيل فيها اليد العليا عسكريا، نظرا لتردي الوضع السياسي والدبلوماسي لإسرائيل على الصعيد العالمي، مقابل الارتفاع في أسهم السلطة والقيادة الفلسطينية على الصعيد الدولي، ويبدو أن هناك من يريد، في أروقة الحكم والسياسة الإسرائيلية، الذهاب في هذا الاتجاه ووضع أبو مازن وسلطته في حالة من المواجهة العسكرية والعمليات والعمليات المضادة.

* هل حسابات السلطة وأبو مازن، في ضوء ما تقوله هي حسابات الاحتفاظ بالحكم والبقاء في الكرسي، أم أنها حسابات الحفاظ على إنجازات وبنية اقتصادية قوية لدولة قادمة يمكن لعملية اجتياح إسرائيلية أن تقضي عليها وتحول الضفة إلى حطام على غرار غزة دون أمل بإعادة الإعمار؟

د. أحمد الطيبي: ما من شك حكومة الدكتور سلام فياض في عهد الرئيس أبو مازن نجحت في تحسين العديد من نواحي الحياة في الضفة الغربية: نمو اقتصادي نسبي، ويبدو أن هذا يزعج بعض الإسرائيليين وخاصة اليمينيين منهم، وهذا نجاح يقدم للمواطن الفلسطيني، ولكن الرئيس أبو مازن يدرك أن هذا النجاح، وهكذا أيضا سلام فياض، هو نجاح في تحسين أمور حياتية مهم للغاية، لكنه يبقى خطوة في الطريق نحو الهدف الأهم أكثر وهو ضرورة التحرير. إذا عندما يتم إلغاء هذا الإنجاز من خلال عمليات اجتياح إسرائيلية تدفع السلطة الفلسطينية ويدفع بها إلى الوراء ومعها جمهورها، خطوات عديدة.

*وليس لها حائط يحميها!

د. أحمدالطيبي: أبدا.. ولذلك هناك من يعتقد أن في حالة استمر أبو مازن في موقفه الرافض لاستئناف المفاوضات ، ومواجهة إسرائيل في كافة المحافل الدولية، في ملف غولدستون وغيره، في مجلس الأمن وكل مكان آخر وفي كل العواصم لتجنيد الدعم لما نسميه " ترسيم الحدود الدولية"، فليفرض عليه الحصار، وهنا أستطيع أن أكشف لك ولإيلاف أنه قبل توقيع أبو مازن على الورقة المصرية، ورقة المصالحة المصرية، أبلغ من قبل الإدارة الأميركية: لا توقع وإلا فإن مصيرك الحصار إن وقعت على الوثيقة، وقد نقل ذلك بأسلوب التنبيه والتحذير، ولكنه كان تهديدا مبطنا رفضه الرئيس عباس ووقع على الورقة كما أنه رفض تهديدا قبل التوقيع على اتفاق مكة كان بالروح نفسها .

* لننتقل إلى المشهد الإسرائيلي فقد أجرى نتنياهو تحركات كثيرة في الأسابيع الأخيرة، محاولات تحريك في الائتلاف، خطاب بار غيلان تبخر كليا على أرض المستوطنات، ضربة نابلس هي تمهيد لما هو قادم، هل يحتاج نتنياهو وبراك لضربة عسكرية لتثبيت أقدامهم؟

د. أحمد الطيبي: هذه الحكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، لكن نتنياهو وائتلافه الحاكم هو أثبت ائتلاف حكومي في السنوات العشر الأخيرة،ومع أن مكانته ثابتة إلا أنه يقوم بحركات ومناورات صغيرة وممجوجة مثل محاولات شق حزب كديما، ورشوة سبعة نواب من هذا الحزب، إما عبر حقائب وزارية أو مناصب خارج الحكومة والكنيست. لا يؤمن نتنياهو بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران. وهو لا يؤمن بحل الدولتين، وأريد أن أستشهد هنا بأقوال موشيه يعلون نائب رئيس الوزراء، عضو مطبخ السبعة، الذي قال بعد التصويت على قرار "ما يسمى بتجميد الاستيطان قال لصحيفة المستوطنين "مكور ريشون": "لا يوجد في مطبخ السبعة من يؤمن بحل الدولتين وأنا اصدق هذا الكلام.

*ولا حتى براك؟

د. أحمد الطيبي: براك هو أكثر شخصية تعمل في الحكومة بشكل عدائي ضد المواطن الفلسطيني البسيط وضد القيادة الفلسطينية برئاسة أبو مازن. وبراك سعيد جدا باستمرار الانقسام، فهو يقول إن الانقسام يساعد على تهدئة الحدود بين إسرائيل وغزة وهذا ما يعنينا. هذا لسان حال براك.

الواقع اليوم أن حكومة نتنياهو لا تملك برنامجا للتفاوض مع الفلسطينيين وهي تريد منهم أن يستمروا في مفاوضات يقولون فيها ما يريدون، بينما يعمل نتنياهو ميدانيا ما يشاء، وخطاب نتنياهو في بار إيلان لم يعد يقنع أحدا ولا حتى المعلقين والصحافيين في إسرائيل. فهو يريد مواصلة مفاوضات على لا شيء بموازاة مواصلة الاستيطان، وكان هذا عمليا مؤامرة مشتركة بالتعاون بين ديوان نتنياهو والبيت الأبيض، حيث حاولا الترويج لأكذوبة وقف الاستيطان، عند الرباعية الدولية وفشلت هذه المؤامرة بفضل الموقف الإيجابي لروسيا. بل إن الإدارة الأميركية حاولت قبل يومين تسويق عمليات بناء مئات الوحدات السكنية في القدس بدعوى البناء للفلسطينيين في القدس، لكنها جوبهت برفض مطلق لهذا التوجه، فالبناء في القدس الشرقية بناء استيطاني مخالف للقانون الدولي ويجب أن يتوقف. ومن المؤسف ألا تفعل الإدارة الأميركية شيئا حيال هذا الموضوع وإنما تتكيف مع الوقف الإسرائيلي. أقول أكثر من هذا ، فعندما سأل الرئيس أبو مازن، الرئيس الأميركي براك أوباما لماذا لم توقفوا البناء في الاستيطان والقدس، كان رد أوباما أن نتنياهو أبلغه أن تجميد البناء في القدس سيؤدي إلى إسقاط ائتلافه الحكومي، وأنا أسأل هل واجب أبو مازن أو السلطة الحفاظ على أسوأ ائتلاف في إسرائيل. يجب ونحن نسعى لمقاطعة هذه الحكومة ومواجهتها في كافة المحافل الدولية وتعريتها كليا خصوصا وأن وزير خارجيتها، ليبرمان أسوأ من لوبين الفرنسي ومن هايدر النمساوي.

أعتقد أننا اليوم ونحن نعيش حالة من غياب المفاوضات وغياب المقاومة الفلسطينية، ملزمون بالسعي لتحقيق المصالحة، بل دعني أكشف لك، أنه في هذه الظروف المذكورة، نقل لأبي مازن في الفترة الأخيرة اقتراحان، أميركي وإسرائيل بإجراء مفاوضات سرية مع حكومة نتنياهو وقد رفض أبو مازن الاقتراحين فورا، لأنه طالما لا يوجد اتفاق على تجميد الاستيطان ومرجعية عملية السلام فلا حاجة لا لمفاوضات علنية ولا مفاوضات سرية.